أين أنتِ يا امرأة خرجت من قمقم الأحلام والأمنيات الجميلة..؟ ها أنت تضيعين وسط الزحام، ليس زحام مدينتي أو شوارعنا المأهولة بالبشر، بل إنك تائهة وسط نفسك، عن نفسك ذاتها، من أنت أيتها المرأة الخارقة.. ؟ المرأة التي قهرت الزمانَ والمكانَ والقلوبَ والعشائر..؟ أين أنت..؟ وصحف الفضائح تنشر في كل لحظة لك صورًا مُهينةً، بل سيئة إلى أبعد الحدود، والمواقع الفضائية تبثك في كل ثانية من كل شبرٍ على هذه الأرض، إلى خلق الله العارفين والعابثين والزاهدين.. دون إذن.. ودون مواعيد مسبقة..؟ أنت امرأة خُلقت من أضلاع رقيقة تلتصق بالقلب النابض بالحب والحنان والحقيقة، لكنكِ غيّرتِ تلك الخلقة بيديك العاريتين عن الندم والصلاحية، إلى أجل غير مُسمى، حتى أصبحت شفاهكِ نسخة ثانية عن كل الشفاه التي دخلت إلى غرف الترميم والعناية بالجمال، حتى لم تعودي تعرفين كيف تخرجين الحقائق من بينهما.

فكل ما يصدر عن شفتيك الآن ما هو إلا تزييف واضح لكل ما بداخلك، وأصبحت عيناك شاردتين عن الحقائق التي يجب أن تراها وتدعمها بصدق ووفاء، إلا أن العدسات الزائفة والملوّنة تغلبت عليهما، فلم تعد تلك العينان تريان إلا الألوان الزائفة.. والزائلة مع المد والجزر.. وتقلبات الظروف. وصدرك الذي احتضن قلبك النابض بالرقة والحنان، أسرته بين أكوامٍ من الأحقاد التي تزفرينها مع كل شهقة وزفرة. أما اليوم.. وفي هذا الزمان الذي لا نعرفه جيدًا، فقد أصبحت أنت والأخريات، نسخًا مطبوعةً عن بعضها بعضًا، موقعة بأنامل ومشارط الجراحين.. وأصبحت غاياتك في هذه الحياة مغلفةً بالضباب والسراب. أنت اليوم امرأة من خارج عصور هذا الزمان، فلا يمكن التفريق بينك وبين ذلك العامل الأجنبي الذي يجلس بالقرب منك في اجتماعك الطارئ.

لم تعد ثيابك مميزةً عن ثياب ذلك الرجل، ولم تعد زينتك مختلفةً عن زينة النساء الباحثات عن المتعة السريعة في الشوارع الخلفية، ولم تعد رائحة عطرك تختبئ بين عباءتك الفضفاضة، بل كل روائحك أصبحت تطلق على الأثير، وعبر الفضائيات، حتى يعلم الآخرون بك وبوجودك هناك، امرأة ناعمة رقيقة.

أصبح القتال والشجار والصراع بالأيدي، برامج وعروضًا تلفزيونية، على كل المحطات الرياضية. جسدك الناعم والمتسق، صار جزءًا مهمًا جدًا من الحملات الإعلانية المستمرة التي تداهم الرجال والنساء على السواء في مخادعهم، وبين أطفالهم، وحتى في لافتات المحلات التِجارية المكتظة بالباعة والمُتسوّقين،

متى تنتهين أيتها المرأة من وضع قياساتٍ خاصةٍ لكل مطامحك وتحركاتك.. ؟ وتعودين مرة أخرى إلى تلك العصور الجميلة، التي وضعت تاج الأمومة والحنان فوق رأسك، وتركتك تتربعين على عروش القلوب والأفئدة المُتربصة بك من بعيد.. لتصبحي سيدة العصور والأزمنة والمواقف القادمة بلا مُنازع..؟

 

[email protected]