اقتصاديات … دولة صديقة للضرائب

في الأسبوع الماضي برز عنوان بوسائل الإعلام والصحافة المحلية مفاده بأن قطر «دولة صديقة للضرائب» ، بمعنى أنها من أقل دول العالم فرضًا للضرائب والاستقطاعات. وهذه تعد ميزة ضريبية تضاف للمزايا الأخرى للاقتصاد الوطني في توجهاته الاستثمارية الحالية، نحوالتنوع والتوسع في قاعدة الدخل والإيرادات العامة للدولة.
لربما يتساءل القارئ -غير المتخصص- ماذا تعني «دولة صديقة للضرائب؟ وما الذي سيتحقق في الدولة -أي دولة- حينما تتميز بأنها منخفضة الضرائب، أو مُرتفعة الضرائب وما مدى استفادة المواطن منها. بعيدًا عن الغوص في أعماق المحيط الضريبي والأوعية الضريبية، والمجمع الضريبي وتأثيراته على الاقتصادات والتنمية وسلوك المُستهلكين بمختلف دول العالم، نوجز حديثنا محليًا بالقول ببساطة: إن قطر بحكم تميزها بانخفاض حجم ومعدل الضرائب الكمية والنوعية على الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتجارة الخارجية، نتيجة لطبيعة اقتصادها وحجمها الديموغرافي، لربما تسعى لأن تكون بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك المحلي والإقليمي، كما هو الحال في أغلب الدول الخليجية الشقيقة. وحسب المصادر الأولية لا تطبق قطر حاليًا سوى ضريبتين فقط هما: ضريبة الأرباح التجارية الصناعية بنسبة 10% فقط على الشركات دون الأفراد لأنهم مُعْفَوْن منها، وهي تشتمل على استثناءات وإعفاءات عديدة لا مجال لتفصيلاتها هنا، وهناك ضريبة على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع العقارات والأوراق المالية داخل قطر. وهناك رسوم وتعْرِفات أهمها التعرفة الجمركية الخليجية الموحدة 5% (لم تنفذ في معظمها بعد)، وبالتالي فإن قطر أساسًا تكاد تخلو من الضرائب الكمية والنوعية المُطبقة عالميًا، لذلك سميت بدولة صديقة للضرائب. وعليه، لايجدُر الحديث عن الضرائب المحدودة كمَّا ونوعًا في قطر، بقدر ما يجب التنبيه إلى ضرورة إزالة المعوقات الأخرى للتجارة والأعمال محليًا وإقليميًا، مثل نقص وعدم مواكبة التشريعات التجارية المحلية للتطور التجاري والاستثماري السريع، وكذلك بعض الممارسات التجارية غير المُنصفة، ثم مصادر التمويل للاستثمار والتجارة الخارجية (استيرادًا وتصديرًا).
إن قطر حينما تفرض ضرائب ثم تعرِفات ورسومًا مالية بحد منخفض على الشركات الوطنية، فإنها تترك لها مزيدًا من الأموال للإنفاق والاستثمار والتجديد والتطوير، هذا النموذج بلا شك يشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث دائمًا وأبدًا عن بيئات ضريبية مُنخفضة، لأجل زيادة معدل ربحيتها من استثماراتها فيها. كذلك الحال، لرواد الأعمال والمُستثمرين المحليين الذين سيحفزهم انخفاض الضرائب على تطوير بيئة الأعمال ونماء الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. أما عن المواطنين والمقيمين والوافدين الزائرين -الأفراد المستهلكين- فستزداد قوتهم الشرائية بلا ريب لأن انخفاض الضرائب أو تقليلها أوعدم سنها أساسًا على الاستهلاك، يُبقي لدى الأفراد دخلًا أكبر للإنفاق والادخار ثم الاستثمار. في حين لو كانت دولة ما مرتفعة الضرائب، وتفرض رسومًا وضوابط مالية كبيرة، فستزداد بلا شك، خزينة الدولة بحصيلة الإيرادات الضريبية والإتاوات والتعرفات، ما يُساعدها على تمويل الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ومواصلات واتصالات وبنية تحتية وغيرها، كما تستخدمها في دعم الفئات الأقل دخلًا كتأمينات اجتماعية. بينما في الدول النفطية عامة ومنها قطر يتم الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والمرافق العامة من العوائد الهيدروكربونية.
الدولة -كما يبدو- لا تنحَى منحًى ضريبيًا حادًا ولا تسعى لفرض ضرائب أو رسوم مرهقة على المواطنين أو الوافدين، لأنها على يقين تام بأن تلك الضرائب غير مُجدية اقتصاديًا، وغير مُبررة سياسيًا، ومستهجنة مُجتمعيًا من كل الشرائح الاجتماعية. وعليه، فإن الدولة قد اتخذت الخيار الرشيد في نهج انخفاض الضرائب ومحدوديتها، لأنه يعزز التنمية ويوفر حياة كريمة للمواطنين والمقيمين على السواء، ولأن الدولة حقيقة، حريصة كل الحرص على الموازنة بين تحفيز الاقتصاد وضمان توفير كل الخدمات العامة لكافة الشرائح الاجتماعية في قطر.
وعَمَار ياقطر الخير والجود والسُؤْدَد.
خبير اقتصادي