يُعَدُّ يوم البيئة القطري الذي يُقام هذا العام تحت شعار: «بيئتنا.. عطاء مستدام» مُناسبةً سنويةً تُسلّط الضوءَ على أهمية حماية البيئة وتعزيز الاستدامة، لكنه يجب أن يكون أكثر من مجرّد احتفال تُقام خلاله الفعاليات، فالبيئة التي نعيش فيها تواجه تحديات متزايدة تتطلب التزامًا حقيقيًا وممارسات مستدامة على مدار العام، وليس فقط في يوم واحد.
وفي اعتقادي الشخصي إن تنظيم الفعاليات التوعوية وإطلاق المبادرات البيئية أمرٌ إيجابيٌ، لكنه لن يكونَ كافيًا ما لم يُترجم إلى وعي جماعي وسلوكيات مسؤولة، فبدون تغيير في طريقة تعاملنا مع الموارد الطبيعية وتقليل النُفايات واعتماد أنماط حياة أكثر استدامة، ستظل البيئة في خطر، بغض النظر عن حجم الفعاليات التي تُقام في يوم البيئة القطري.
والمسؤولية البيئية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، بل هي واجب مُشترك يشمل الأفراد والمؤسسات على حد سواء، فالشركات مطالبة بتبني ممارسات صديقة للبيئة، والمدارس والجامعات بحاجةٍ إلى تعزيز الثقافة البيئية لدى الأجيال القادمة، والأفراد مسؤولون عن تقليل الاستهلاك وترشيد الاستخدام والمشاركة في المبادرات البيئية المستدامة.
لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: هل نحن مستعدون لجعل يوم البيئة القطري الذي يصادف السادس والعشرين من فبراير كل عام نقطة انطلاق لتغيير حقيقي؟ إن بناء مستقبل مستدام يتطلب التزامًا طويل الأمد وليس مجرد احتفاء رمزي، فالأفعال اليومية الصغيرة، مثل إعادة التدوير، واستخدام الطاقة المتجددة، والتقليل من البصمة الكربونية، يمكن أن تُحدِثَ فرقًا كبيرًا إذا أصبحت جزءًا من ثقافتنا وسلوكنا الدائم.
أعزائي القرّاء، لنجعل هذا اليوم محطةً لمُراجعة التزاماتنا البيئيّة وإطلاق خططٍ واقعيةٍ وطويلة الأمد تعزز الاستدامة، فالمستقبل الذي نطمح إليه لأبنائنا يبدأ بخطواتنا اليوم، خصوصًا في الوقت الذي يتنامى فيه حرص الدولة على حماية البيئة وتوازنها الطبيعي، تحقيقًا للتنمية الشاملة والمُستدامة لكل الأجيال، حيث وضعت التنمية البيئيّة كإحدى الركائز الأربع لرؤية قطر الوطنيّة 2030، وأكدت على أن تحقيق هذه الرؤية «مسؤولية وطنيّة».
ولا شك أن النجاحات التي حققها الاحتفال بيوم البيئة القطري خلال السنوات الماضية، ساهمت بشكل كبير في زيادة الوعي البيئي المُجتمعي، والإقبال الواسع على المُشاركة في الفعاليات، يعكس ترجمةً حقيقيّةً لمدى الرعاية والاهتمام اللذين تحظى بهما البيئة القطريّة، لذلك فإن تحويل يوم البيئة القطري من مناسبة احتفالية إلى محطة تغيير حقيقية، يتطلب منا جميعًا التزامًا عمليًا ومستدامًا، فالحفاظ على البيئة ليس خِيارًا، بل ضرورة حتمية تمسّ حياتنا اليومية ومستقبل الأجيال القادمة، ولتحقيق ذلك، يجب أن يتجاوزَ وعيُنا البيئي حدود الفعاليات المؤقتة، إلى مُمارساتٍ تُرسِّخ ثقافة الاستدامة في كل جوانب حياتنا.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر