الدوحة – هيثم الأشقر:

دَشَّنَ معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، أمس، الاستراتيجية الأولى لدار الوثائق القطرية (2025 – 2030).

وقال معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في منشورٍ عبر حسابه الرسمي على مِنصّة «X»: حماية الذاكرة الوطنية مسؤولية مشتركة، وكخطوة مهمة في هذا المسار تم تدشين أول استراتيجية لدار الوثائق القطرية، سعيًا إلى تعزيز منظومة التوثيق والحفاظ على الإرث التاريخي لدولة قطر والمنطقة، ليبقى حيًا للأجيال القادمة.

حضر التدشين سعادة السيد عبدالله بن خليفة العطية رئيس مجلس أمناء دار الوثائق القطرية والدكتور أحمد عبدالله البوعينين الأمين العام لدار الوثائق القطرية، وعدد من أصحاب السعادة الوزراء وكبار المسؤولين.

وتهدف الاستراتيجية الأولى لدار الوثائق القطرية (2025 – 2030) إلى تعزيز منظومة التوثيق وضمان استدامة إرث تاريخ دولة قطر والمنطقة، وتمثل خريطة طريق متكاملة لإدارة الوثائق وحفظها، وتعزيز الشفافية، ودعم التنمية المستدامة، مع الحفاظ على الهوية القطرية.

وأكد الدكتور أحمد عبدالله البوعينين، الأمين العام لدار الوثائق القطرية، الأمين العام لدار الوثائق القطرية، أن الاستراتيجية الجديدة تجسد التزام دولة قطر بحماية تراثها الوثائقي وتعزيز دوره في دعم التنمية وترسيخ الهوية الوطنية، تماشيًا مع رؤية قطر الوطنية 2030.

وأضاف الدكتور البوعينين: «الوثائق هي أحد المقومات الأساسية لصنع القرار والتخطيط الاستراتيجي. نعمل من خلال استراتيجيتنا الجديدة على تحويلها إلى موارد معرفية تدعم المؤسسات والباحثين، وتسهم في تطوير السياسات الوطنية وتعزز قدرة الدولة على التخطيط المستقبلي بكفاءة».

وأشار إلى أنه منذ تدشين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، لمبنى دار الوثائق القطرية في 16 يناير 2024، انطلقت رؤية واضحة لتحويل الوثائق من مجرد محفوظات إلى أداة استراتيجية تدعم صناع القرار، وتثري البحث العلمي، وتسهم في صياغة السياسات العامة، وتعزز دور قطر كمركز معرفي إقليمي ودولي.

وأوضح الدكتور البوعينين أن الإطار التشريعي المتكامل والاستراتيجيات الحديثة التي تعتمدها الدار تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، مما يعزز من دور الوثائق كقاعدة أساسية لدعم اتخاذ القرار، وتمكين المؤسسات من الوصول إلى المعرفة بكفاءة.

وأضاف قائلًا: «التحول الرقمي أصبح ضرورة ملحة، لذا تعمل دار الوثائق القطرية على تطوير بيئة متكاملة لحفظ وإدارة الوثائق رقميًا، مما يضمن إتاحتها بطرق أكثر فاعلية وتأثيرًا، ويجعلها عنصرًا رئيسيًا في دعم التنمية والاستدامة».

مصحف الزبارة

استُهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم من مصحف الزبارة، أقدم مخطوطة قرآنية مكتشفة في مدينة الزبارة، ويعود تاريخها إلى عام 1806م، وقد كُتب المصحف بخط النسخ على يد الشيخ أحمد بن راشد المريخي، ويتكون من مجلدين يضمان 30 جزءًا مكتوبًا على ورق شفاف مائل إلى الصفرة، باستخدام الحبر الأسود والأحمر للزخارف، ومجلد بغلاف جلدي مزخرف بنقوش هندسية. يعرض هذا المصحف اليوم في دار الوثائق القطرية كدليل على ازدهار العلوم الإسلامية في الزبارة وإرث قطر الثقافي والديني العريق، وقد جاء اختيار هذه المخطوطة التاريخية لتلاوة الافتتاحية ليؤكد على عمق ارتباط الدار بجذور التاريخ القطري.

م. يوسف آل شريم: مشاريع استراتيجية لتعزيز كفاءة إدارة الوثائق

في استعراض تفصيلي، قدم المهندس يوسف آل شريم، مدير المكتب الفني بدار الوثائق القطرية، لمحة عن أربعة من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تمثل جزءًا من مجموعة أوسع تضم أكثر من 24 مشروعًا، جميعها تهدف إلى تعزيز قدرات دار الوثائق القطرية في حفظ وتوثيق تاريخ الوطن بمختلف أشكاله ومصادره. وأوضح المهندس آل شريم أن مشروع التوثيق الدولي يهدف إلى جمع وحفظ جميع الوثائق المُتعلقة بدولة قطر والمنطقة والعالمين العربي والإسلامي، من خلال الحصول على نسخ من الوثائق الموجودة في المؤسسات الدولية، لضمان تكامل السجل الوثائقي الوطني، وتوفير مصادر مرجعية دقيقة للباحثين والمؤسسات.

كما أشار إلى مشروع التوثيق المؤسسي، الذي يهدف إلى حفظ وتوثيق السجلات الرسمية للمؤسسات الوطنية، بما يشمل المُستندات الرسمية، والهياكل التنظيمية، والتسلسل الوزاري، والقرارات الحكومية، لضمان وجود سجل واضح يعكس تطور المؤسسات عبر الزمن، ويعزز من قدرة الجهات المُختلفة على إدارة وثائقها بفعالية.

وأضاف أن مشروع التوثيق المجتمعي يشكل محورًا رئيسيًا في إشراك المجتمع بالحفاظ على التراث الوثائقي، حيث يركز على حفظ الوثائق والمخطوطات والمقتنيات الشخصية التي تشكل جزءًا من الهوية القطرية، مؤكدًا أن دور الأفراد وأصحاب المكتبات الخاصة في حفظ الوثائق لا يقل أهمية عن دور المؤسسات، وهو ما تسعى دار الوثائق القطرية إلى تعزيزه عبر برامج توعوية وشراكات مع الجهات المعنية.

أما المشروع الرابع، فهو مشروع التوثيق الشفاهي، الذي يمثل خطوة غير مسبوقة في توثيق الذاكرة الوطنية، حيث يهدف إلى تسجيل شهادات وروايات شخصيات بارزة لعبت دورًا محوريًا في مسيرة قطر، وذلك باستخدام أحدث التقنيات لضمان الحفاظ على هذه الشهادات وإتاحتها للأجيال القادمة.

وأكد آل شريم أنَّ هذه المشاريع تعكس التزام دار الوثائق القطرية بمواكبة التطورات العالمية في إدارة الوثائق، قائلًا: «نحن لا نحافظ فقط على الوثائق، بل نعمل على تطوير آليات تتيح الاستفادة منها بأفضل الطرق. استراتيجيتنا ترتكز على تحويل الوثائق إلى مصدر معرفي يدعم صناع القرار، ويخدم الأجيال القادمة في فهم تاريخ قطر وتطورها عبر الزمن».

م. دلال الشمري: شراكة بحثية مع مايكروسوفت للتحول الرقمي

سلطت المهندسة دلال الشمري، مدير إدارة نظم المعلومات، الضوء على الجانب التقني في استراتيجية «ذاكرة المُستقبل»، مشيرة إلى أن الشراكة البحثية بين دار الوثائق القطرية ومايكروسوفت تمثل تحولًا استراتيجيًا في طريقة حفظ الوثائق وإدارتها، حيث تهدف إلى تطوير حلول رقمية مبتكرة تضمن أعلى مستويات الأمان والجودة والاستدامة.

وأكدت أن هذه المشروعات تعكس رؤية دار الوثائق القطرية في تبني الحلول الرقمية المُتطورة لحفظ التراث الوثائقي، وضمان وصوله إلى الأجيال القادمة بأعلى معايير الدقة والجودة، مع التركيز على الاستدامة وتقليل الأثر البيئي، قائلة: «نحن لا ننظر إلى التكنولوجيا كأداة مساندة فحسب، بل كعنصر أساسي في تطوير إدارة الوثائق، وضمان استدامتها وحمايتها للأجيال القادمة، مع مراعاة الحلول الصديقة للبيئة التي تدعم رؤية قطر للاستدامة.

وأضافت: إن هذه الشراكة أسفرت عن إطلاق ثلاثة مشاريع تكنولوجية رئيسية، تشمل مشروع التوثيق الصحافي، الذي يهدف إلى رقمنة المحتوى الصحافي القطري وتحويله إلى أرشيف رقمي ذكي مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يتيح للباحثين والمؤرخين الوصول إلى المحتوى التاريخي بسهولة ودقة، مع تقليل الحاجة إلى الأرشفة الورقية، بما يُسهم في تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة البيئية. كما تناولت الحديث عن مشروع «سيليكا» لتخزين البيانات، الذي يعتمد على تقنية متطورة لتخزين الوثائق على ألواح زجاجية تدوم لآلاف السنين باستخدام الليزر فائق السرعة، ما يضمن حفظ البيانات بأعلى مستويات الحماية بعيدًا عن مخاطر التلف أو الفقدان، مع تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية مقارنة بالطرق التقليدية للتخزين. وقالت: أما المشروع الثالث، فهو تطوير المنصة الرقمية لدار الوثائق القطرية، التي تهدف إلى إتاحة الوثائق والخدمات المقدمة من الدار من خلال منصة إلكترونية متكاملة، تتضمن إطلاق 32 خدمة رقمية على مدار السنوات القادمة، تشمل تسجيل وإتلاف الوثائق، وطلبات البحث، والتواصل مع الخبراء، بالإضافة إلى خاصية البحث الذكي داخل الوثائق الرقمية، ما يقلل الحاجة إلى الطباعة والاستخدام الورقي، ويعزز الكفاءة التشغيلية.

ذاكرة تُبنى وإرث يُصان

صاحبَ حفلَ تدشين الاستراتيجية معرضٌ تضمن مخطوطات متنوعة، حضرها أصحابها لاستعراضها والحديث عنها للجمهور، وقد جاء حفل إطلاق الاستراتيجية ليؤكد أن دار الوثائق القطرية لا تعمل فقط على حفظ الماضي، بل تسعى إلى بناء ذاكرة وطنية حية تربط بين أصالة التراث وأدوات المُستقبل.

وفي ختام الحفل، قال الدكتور أحمد البوعينين: مسؤولية الحفاظ على التراث الوثائقي مسؤولية جماعية تبدأ من كل مواطن ومقيم، وتمتد إلى المؤسسات التي تسعى إلى حفظ وثائقها. إن «ذاكرة المُستقبل» التزام بحماية إرث قطر وهويتها، وضمان استدامتها للأجيال القادمة.

صبا الفضالة: استراتيجية شاملة لتطوير إدارة الوثائق

أوضحت السيدة صبا الفضالة الخبير الاستراتيجي بدار الوثائق القطرية، أن الاستراتيجية تستند إلى نهج شامل قائم على تحليل الاحتياجات الوطنية وتحديد أفضل المُمارسات الدولية في مجال حفظ وإدارة الوثائق. وأوضحت أنها تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 وأهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة خصوصًا بما يتعلق بالهوية الوطنية والإرث الوثائقي كما تم تقديم الشكر والتقدير للمجلس الوطني للتخطيط على دعمهم المُستمر في تطوير هذه الاستراتيجية وضمان مواءمتها مع الأهداف التنموية للدولة.

وقالت: «منذ البداية، لم تكن مسؤولية بناء هذه المنظومة تقع على عاتق دار الوثائق وحدها، بل كانت مشروعًا وطنيًا تشاركيًا يعكس التزام الدولة بحفظ تراثها وتوثيق مسيرتها. جاءت هذه الاستراتيجية نتاج حوار مُستمر وتفاعل مباشر مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأفراد، بما في ذلك أصحاب المكتبات الخاصة، حيث حرصنا على إجراء دراسات ميدانية، والاستفادة من آراء الباحثين والمؤرخين، لضمان أن تكون واقعية، قابلة للتطبيق، وتلبي احتياجات الدولة بفاعلية.

وأضافت: كان لمجلس الأمناء دور محوري في توجيه الاستراتيجية، من خلال تحديد الأولويات، والإشراف على تطوير السياسات، وتعزيز التعاون بين الجهات المُختلفة، بما يضمن تحقيق التكامل بين القطاعات المُختلفة وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة في إدارة الوثائق.

نورة القبيسي: المجتمع في قلب الاستراتيجية

أكدت السيدة نورة القبيسي، مدير العلاقات العامة والاتصال، أن الاستراتيجية الجديدة تضع المجتمع في صميم رؤيتها، حيث تسعى إلى تعزيز مشاركة الأفراد في حفظ التراث الوثائقي، انطلاقًا من إيمان دار الوثائق القطرية بأن مسؤولية الحفاظ على الوثائق ليست مقتصرة على المؤسسات فحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة.

وقالت السيدة القبيسي: إشراك المجتمع بجميع فئاته في عملية التوثيق هو أحد الأهداف الأساسية للاستراتيجية. كل فرد يحمل جزءًا من ذاكرة الوطن، سواء كان باحثًا، طالبًا، أو مالكًا لوثائق ذات قيمة تاريخية. نسعى إلى تعزيز ثقافة توثيق مستدامة تعكس أهمية الوثائق في صون تاريخ قطر وبناء مستقبلها، وحرصنا على إشراك المجتمع في هذا الحدث ليكون جزءًا من هذه المسيرة، حيث أتيحت لهم الفرصة للاطلاع على خريطة الطريق التفصيلية للاستراتيجية الجديدة، والتفاعل مع المبادرات والمشاريع التي سيتمُ تنفيذُها حتى عام 2030.

مقدم الحفل

قدم الحفل القامة الإعلامية عبد الوهاب المطوع، أول مذيع قطري يعلن افتتاح تلفزيون قطر عام 1970، والفنان القطري القدير صلاح المُلا، حيث قادا الحضور في رحلة بين ماضي قطر وحاضرها، واستعرضا معًا الرمزية العميقة التي يحملها شعار «ذاكرة المُستقبل» كجسر يربط بين الأصالة والحداثة.