مهما قيلَ عن الشهر الكريم يظل هذا القول قاصرًا عن ذكر كل نعمِه وحسناته، ليبدو الإلمامُ بكل ذلك مستحيلَ الحصر والإدراك، فما إن يحِل الشهرُ الكريم حتى يكثر الحديث عن جوانبه الدينية والاجتماعية والصحية، بما يعنيه ذلك من أجواء روحانية تقرب الصائم إلى ربه وتعيد إليه ثقته بدينه، وعلى الصعيد الاجتماعي تتأثر العلاقاتُ الاجتماعية عندما يزيد التعاون بين أفراد المجتمع والتراحم بين أفراد الأسرة، والتسابق إلى عمل الخير، ما يزيدُ المجتمع الإسلامي قوة في التكاتف والتضامن لعمل الخير لتعمَّ الأمةَ مشاعرُ العطف على المحتاج وإقالة عثرات من عبست الحياة في وجوههم، وعلى الصحة في انضباط مواعيد الأكل أثناء الصيام في رمضان، ولكل ذلك فوائده التي لا تخفى على أحد.

كل ما يُقال عن رمضان يجب ألا يُنسينا حقيقة أنه أولًا وآخرًا للعبادة، التي يجب ألا تشوبها شائبة، ولا يشغل عنها شاغل، عبادة خالصة لوجه الله دون التفكير في استغلالها لأهداف تجارية، أو تحقيق مآرب دنيوية، أو إفسادها بمظاهر الترفيه التي تشغل الصائم عن أداء موجبات الصيام وشروطه، على أفضل ما يكون الأداء. وفي الحديث القدسي قال تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به).

شهر لا يستوجب الغياب عن العمل، ولا ينهى عن ممارسة الحياة الطبيعية المعتادة، ولا يوجب الانقطاع عن التعامل مع الآخرين، بل إنه يحث على ذلك ولكن بروح الطهر والعفة والاستقامة، وهذا ما يجبُ على المسلم في رمضان وغيره، فهو فرصة للتغلب على هوى النفس، وكبح الشهوات والمُغريات والمُلهيات، وتجنب الموبقات والشرور والغرور والفجور، وقول الزور.. لتصبح عفة اليد واللسان ديدن الصائم وطبعه وسلوكه الذي لا يرضى عنه حِولًا ولا بديلًا، وفي الحديث: (ليس الصيام عن الأكل والشرب.. إنما الصيام عن اللغو والرفث). ومن عجائب الأمور أن يفسد الصائم صيامه بطوعه واختياره، عندما تغريه نفسه الأمَّارة بالسوء للانحراف عن جادة المحافظة على صيامه، وعن حمايته من لغو الأقوال وسوء الأفعال، فلا يكون نصيبه من صيامه سوى الجوع والعطش، وفي الحديث: (رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش).

وفي رمضان يطيبُ عمل الخير، دون زخرفة ولا مباهاة، وما كان منه في الخفاء أجدى مما هو في العلن، وعن أبي هريرة قال: سبعةٌ يُظلهم الله بظِله، وذكر الحديث وفيه: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلمَ شمالُه ما تُنفق يمينه). تلك خير الصدقات التي لا تشعر المُتصدِق بالزهو ولا تشعر المُتصدَّق عليه بالمهانة، ومن حسنات الصيام أنه يدفع الغني عند الإحساس بالجوع إلى الشعور بحاجة الفقير، فيسارعُ إلى نجدة أخيه الصائم بما يعينه على تجاوز محنه الشعور بالجوع في سائر الأيام. وتلك نعمة من نعم رمضان التي لا تُعد ولا تحصى. وكل رمضان وأنتم بخير.

 

[email protected]