الدوحة – أشرف مصطفى:
فِي ظلالِ التَّاريخ، حيث يلتقي الإبداع بالفروسيَّة، وحيث تمتزج الحِرَفُ الرفيعة بوهج المعارك، يبرز الفنّ الإسلامي كحارسٍ للهُويَّة ورمزٍ للأصالة، حيث كان السيف بمثابةِ قصيدةٍ من الفولاذ تُحكى تفاصيلها بالنقوش والزخارف، شاهدةً على براعة الحِدادة الإسلامية التي جعلت من المعدن تحفةً تنطقُ بالجمال والقوَّة. في قلب هذا العالم المذهل، يقف الباحث التراثي السيد فاضل المنصوري، جامعُ الكنوز، وحارسُ التراث، ورجلٌ يرى في الأسلحة القديمة حكاياتٍ تختبئ بها تفاصيلها، ورموزًا لحضارةٍ أبدعت في تحويل أدوات الحرب إلى أعمال فنية خالدة.
• كيف بدأت رِحلتك في اقتناء السلاح الإسلامي، وما الذي جذبك إليه؟
بدأت رِحلتي كهواية، ثم تحول الأمر إلى شغف قادني إلى البحث العلمي والتاريخي والفني في هذا المجال. منذ صغري، كنتُ أعيشُ في مجتمع يرتبط بالسلاح الشعبي بدءًا من الرزيف، وأول سيف اقتنيته، كنت في العاشرة أو الحادية عشرة من عمري. ولعلَّ ما شدني إلى هذا المجال، محوران أساسيان: الأول هو معدن الجوهر، الذي صُنعت منه أفضل الأسلحة التي امتلكها السلاطين والأمراء، والثاني هو الجانب الجمالي المصاحب لهذه القطع، مثل تنزيل الذهب، والزخارف، والنقوش، ما جعلني أبحث وأتعمق أكثر في هذا العالم.
• ما المعايير التي وضعتها عند البدء في اقتناء الأسلحة الإسلامية؟
منذ البداية، وضعت نصب عيني امتلاك أفضل النماذج التي أُنتجت في تلك الحقب الزمنية والمناطق الجغرافية، ولم يكن هدفي جمع عدد كبير من القطع، بل كنت أبحث عن قطعة واحدة من كل حقبة، بشرط أن تكون بمستوى عالٍ، يضاهي القطع التي تُعرض في المتاحف. ومن ثم قادني ذلك إلى معرفة المزيد واقتناء الكتب ومتابعة الأبحاث التي كتبت في هذا الشأن.
• حدثنا عن القطع النادرة ذات الأهمية التاريخية التي تقتنيها؟
لدي سيفٌ مصنوع من الجوهر، يعود إلى الحقبة الصفوية، يحمل أختامًا نادرة، منها ختم الشاه إسماعيل، بالإضافة إلى ختمَين آخرين، بتاريخ سنة 1118 هـ. المفارقة أن هناك نسخة مطابقة لهذا السيف في أحد متاحف إيران، ما يجعل منه تحفةً نادرة تحمل قيمةً تاريخية لا تُقدَّر بثمن. ولدي خوذة تعود للحقبة القجارية في فارس، وتتميز بنقوشٍ تحيط بها أحزمة زخرفية، بينما يأتي الحزام الدائري عليها مزينًا بأبياتٍ من الأدب الفارسي، إضافةً إلى نقشٍ لحيوان مفترس ينقض على فريسته، وهي صورةٌ ترمز إلى القوة والشجاعة.
• ما أهمية اقتناء هذه الأسلحة التراثية؟
الاقتناء هو مسؤولية تاريخية. فهذه المقتنيات هي شواهد حيَّة على تطوُّر الحضارة الإسلامية، وعلى المهارات الحِرفية التي كانت موجودة في العصور الماضية. كل قطعة أقتنيها تحمل قصةً وهُوية، سواء من خلال النقوش التي توثق العصر الذي صنعت فيه، أو من خلال الأختام التي تحدد صانعها ومالكها الأصلي.
• كيف كان التطور في تصميم الأسلحة الإسلامية؟ وما الذي يميزها عمومًا؟
هناك جانبٌ تقني وآخر جمالي في تطور هذه الأسلحة. تقنيًا، انتقلنا من السيف المستقيم إلى السيف المنحني، ما زاد من فاعلية الضربة، كما تم تطوير الدروع والخوذ لتكون أكثر حماية وأخف وزنًا. أما من الناحية الجمالية، فقد كان لكل حقبةٍ أسلوبها في الزخرفة، فنجد الأسلحة المملوكية تميل إلى الخط الكوفي والتوريق، بينما تأثرت الصفوية بالفن الفارسي الغني بالتصاوير والزخارف الدقيقة. وعمومًا فإن الأسلحة الإسلامية كانت مزيجًا من الهندسة الحربية والفن الرفيع، لم يكن السيف مجرد نصلٍ قاطع، بل لوحة مزينة بالزخارف والنقوش، وبعضها يحمل آياتٍ قرآنية أو أبياتًا شعرية. كما أن المعادن المستخدمة، مثل الجوهر، كانت تُمنح خصائص فريدة تجعل النصل شديد الحدة، مرنًا، وخفيف الوزن في آنٍ واحد.
• حدثنا عن معرض «البارود والجوهر» الذي أقيم من قبل في متحف الفن الإسلامي؟
كان هذا المعرض بمثابة رحلةٍ بصرية عبر تاريخ الأسلحة الإسلامية. أنا فخورٌ جدًا بهذه التجرِبة، وما زاد هذا الفخر هو إقامة معرض «البارود والجوهر»، في متحف الفن الإسلامي، حيث كان أول معرض لمقتنيات خاصة يتم تخصيص قاعتين له في الطابق الرابع منذ افتتاح المتحف. هذا الإنجاز ليس شخصيًا فحسب، بل هو إنجاز للهواة القطريين، حيث انتقلت هذه الهواية إلى مستوى الاحتراف، وأصبحت المقتنيات ترتقي لمستوى العرض في متاحف عالمية مرموقة مثل متحف الفن الإسلامي.
• أخيرًا، كيف ترى أهمية الحفاظ على هذا التراث؟
الحفاظ على هذه الأسلحة هو بمثابة الحفاظ على جزءٍ من تاريخنا وهُويتنا. فهي شواهد حية على عصورٍ ازدهر فيها الفن الإسلامي، وقد شكلت جزءًا من حضارةٍ عظيمةٍ. لذلك، أسعى دائمًا لنشر الوعي بأهمية هذا التراث، سواء من خلال المعارض، أو عبر عرض مجموعتي في أماكنَ مختلفةٍ لتعريف الأجيال القادمة بعظمة ما صنعه أجدادنا.